بين الحين والآخر تتكشف أسباب وأهداف تصعيد المليشيات الإيرانية في العراق من هجماتها ضد المصالح الأمريكية ببغداد.
فخلال الأسبوع الماضي تصاعدت الهجمات التي تستهدف الوجود الأمريكي في العراق، في وقت باتت فيه كل المؤشرات تؤكد أن مستويات المواجهة بين المليشيات المسلحة الموالية لإيران بالعراق، وواشنطن تسير نحو الاحتدام والتعقيد.
وفي خضم ذلك التطورات تبرز خشية بعض المراقبين للشأن السياسي العراقي من فقدان بغداد ما حققته من مكتسبات في علاقاتها الخارجية على مدار العام الأخير، جراء تصاعد نفوذ المليشيات وانعكاسه على وضع البلاد في الميزان الدولي.
وشهد العراق، خلال الأسبوع الماضي، 5 هجمات نفذت بطائرات مسيرة استهدفت مواقع عسكرية ودبلوماسية أمريكية في العراق، حيث جاءت بعد أيام من ضربة جوية أمريكية استهدفت مواقع تابعة للمليشيا الموالية للنظام الإيراني تستخدمها لتخزين السلاح عند الشريط الحدودي بين العراق وسوريا.
وكانت المليشيات الموالية لإيران توعدت برد قاس على تلك الهجمات باستهداف الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، زاعمة أنها بدأت “حرباً مفتوحة”، مع الولايات المتحدة.
وسجل هجوم الأربعاء الماضي الأعنف بين سلسلة هجمات إرهابية ضد المصالح الأمريكية، عندما استهدف 14 صاروخا قاعدة عين الأسد الجوية العراقية في الأنبار، غربي العراق، وتسبب في إصابة جنديين أمريكيين.
ومنذ مطلع العام الحالي، تعرضت مواقع تابعة للولايات المتحدة في العراق، إلى 45 عملية استهداف، بينها 13 هجوما تمت بطائرات مسيرة بدون طيار.
ورغم الجهود الحكومية التي تبذلها بغداد للحد من تلك العمليات إلا أنها غير قادرة على تجميد مسلسل الهجمات التي تطال مصالح واشنطن وقوات التحالف الدولي في العراق.
لكن البنتاجون الأمريكي وصف، الخميس الماضي، الهجمات المكثفة على العسكريين الأمريكيين في العراق وسوريا، بـ”تهديد خطير”.
وأشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي، خلال مؤتمر صحفي، إلى أن “الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق من الاعتداءات الأخيرة”، مستدركاً بالقول “إنهم يستخدمون أسلحة فتاكة.. لا أعرف كيف يمكن وصف ذلك إلا بأنه تهديد خطير”.
المليشيات و”مسمار جحا”
من جانبه أكد رئيس مركز “التفكير السياسي” بالعراق إحسان الشمري، أن “الهجمات التي تشنها المليشيات المسلحة الموالية لإيران ضد المصالح الأمريكية لن تنتهي بانسحاب القوات الأمريكية من العراق”.
ويضيف الشمري، خلال حديث لـ”العين الإخبارية”، أن “المواجهة بين المليشيات وواشنطن على أرض العراق ترتبط بملفات عديدة من بينها الاتفاق النووي الإيراني وتوزان القوى في المنطقة”، لافتاً إلى أن المليشيات الموالية لطهران تمارس الضغوط على واشنطن لسحب قواتها من العراق لإخلاء الساحة لها”.
وعرقلت خلافات جوهرية محل جدل منذ سنوات، الجولة السابعة من محادثات فينيا حول الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى، حيث لم تسفر تلك المباحثات عن نتائج تذكر حتى الآن.
ويقترب المحلل السياسي العراقي علي الكاتب من ذلك الرأي، حيث يؤكد أن “ورقة الملف النووي وطاولة المفاوضات هي من تتحكم في موجة تصعيد أو تهدئة تلك الهجمات التي يشهدها العراق”.
ويوضح الكاتب خلال حديث لـ”العين الإخبارية” أن “الفصائل المسلحة التي تتلقى الأوامر من طهران، تحاول جاهدة تعزيز مصالح إيران أولا في العراق والمنطقة ولو كان على حساب شعبها ومصالحه القومية”.
ويتوقع الكاتب، أن “تستمر المليشيا في تصعيد هجماتها ضد التواجد الأمريكي في العراق وسيقابله ردود رادعة من قبل واشنطن ربما ستكون أقسى بكثير مما شهدناه خلال الأيام الماضية”.
فيما يلفت إحسان الشمري إلى عدد من الدوافع الأخرى التي تحرك تلك الهجمات وتدفع بالفصائل المسلحة إلى التصعيد.
ويرى الشمري أن “المليشيات الإرهابية تحاول من خلال تأزيم الأوضاع وتكثيف ضرباتها ضد واشنطن، إيصال رسائل عدة وتتخذ ذلك بمثابة” مسمار جحا” ومن بينها التعبير عن قوتها بعد أن فقدت شعبيتها في الشارع العراقي”.
إضافة لذلك، بحسب الشمري، فإن تلك المليشيات تحاول أن تكون جزءاً من المقاربة التي يطرحها الرئيس الأمريكي جو بايدن باتجاه سياساته الخارجية نحو العراق وإلزامه بأن تكون في وضع أكثر اطمئنانا وأقل تعرضا”.
العراق في أتون المواجهة
وينوه رئيس مركز “التفكير السياسي” إلى أن “تعقيد التطورات الأخيرة حيث لا تتمركز في تصاعد الهجمات فحسب، إنما في كونها غير متناظرة وهو ما قد يدفع إلى تأزيم الأوضاع بشكل أكبر”.
ويعزز الشمري قوله بأن “الولايات المتحدة ترد على تلك الفصائل بعنوان الردع لكبح جماحها عن مواصلة استهداف مصالحها في العراق، بينما المليشيات تشن هجماتها لممارسة الضغط على الولايات المتحدة إزاء ملفات إقليمية ومحلية وهنا تقع الإشكالية الكبيرة في ذلك الصراع”.
من جانبه، يرى المحلل السياسي العراقي حيدر حميد أن “الفعل وردة الفعل سيكون حاضراً في طبيعة تلك الهجمات وبالتالي سيكون العراق في مواجهة مباشرة وتحت نيران ذلك الصراع”.
ويعتقد حميد أن “الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي فشلت في محاولاتها وجهودها الحثيثة طوال الفترة الماضية في إبعاد العراق عن الصراعات الدائرة على المستوى الإقليمي والدولي”، مبينا أنه “لن نكون طرف تقارب أو أرضا محايدة بل سندفع ثمن ذلك الصراع”.
واستطرد قائلا إن “العلاقة بين واشنطن وبغداد وبعد مرور 18 عاما من التغيير ما تزال في محل غموض وغير واضحة، ما جعل مسألة بقاء القوات الأمريكية في البلاد قابلة للكثير من التفسيرات التي معها تتذرع المليشيات المسلحة الموالية لإيران بشن تلك الهجمات”.