محادثات أنطاليا.. هل تنجح أنقرة في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا؟ | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW
بعد أسبوعين من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ستعقد أول محادثات رفيعة المستوى بين كييف وموسكو، حيث من المقرر عقد اجتماع بين وزيري خارجية البلدين، الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأوكراني، دميترو كوليبا بحضور وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، على هامش “منتدى أنطاليا الدبلوماسي”، الذي يعقد بين 11 و13 مارس/آذار الجاري بمنتجع أنطاليا السياحي في جنوب تركيا. والذي يُقام بانتظام ويشارك فيه قادة دول وحكومات وساسة ودبلوماسيون وخبراء في مختلف المجالات.
وتأتي الموافقة على الاجتماع الروسي الأوكراني، بعد جهود دبلوماسية حثيثة بذلتها أنقرة. وقبل عدة أيام جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان دعوته لوقف إطلاق النار خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما قام بحملة من أجل “ممرات إنسانية” وتوقيع اتفاق سلام. وكان أردوغان قد تحدث من قبل مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي عبر الهاتف. فتركيا مهتمة للغاية بالتوصل إلى تسوية سلمية للصراع الروسي الأوكراني حيث لها علاقات وثيقة مع كلا البلدين.
الروابط التاريخية والاقتصادية مع أوكرانيا
تاريخ مشترك يجمع بين تركيا وأوكرانيا. فقد كانت القرم جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى نهاية القرن الثامن عشر. ويعيش حوالي خمسة ملايين من تتار القرم المسلمين في تركيا حالياً.وتمول تركيا مشروع بناء مساكن في العاصمة كييف لتتار القرم الذين غادروا شبه جزيرة القرم بعد الضم الروسي في عام 2014 وانتقلوا إلى البر الأوكراني.
منذ عام 2017، تمكن مواطنو كلا البلدين من السفر إلى البلد الآخر بدون تاشيرة عن طريق بطاقة الهوية الخاصة بهم. فيما يتعلق بالعلاقات الإقتصادية على وجه الخصوص، فتحت أنقرة وكييف فصلًا آخر في علاقتهما قبل وقت قصير من الغزو الروسي.
في بداية فبراير/ شباط، أبرمت حكوماتا البلدين اتفاقية تجارة حرة تهدف إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري بينهما والذي بلغ 4,6 مليار يورو في عام 2021. وفي نفس العام كانت تركيا أكبر مستثمر أجنبي في أوكرانيا بحجم استثمار بلغ 4,1 مليار يورو.
بسبب تسليم الأسلحة إلى كييف، تشارك أنقرة أيضاً بشكل غير مباشر في القتال هذه الأيام. وكانت الحكومة الأوكرانية قد نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية مقاطع فيديو تظهر عمليات “ناجحة” قامت بها طائرات مسيرة تركية الصنع ضد القوات الروسية. بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار، طلبت أوكرانيا أيضاً عدداً من السفن الحربية التركية الصنع التي تهدف إلى تعزيز موقعها الدفاعي بشكل كبير في البحر الأسود وبحر آزوف.
تأثير محدود على موسكو
لم يتبن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الخطاب الروسي عن “العمليات الخاصة”، لكنه عبر بشكل متكرر عن إدانته للغزو الروسي لأوكرانيا، ووصفه بأنه “حرب”. كما أمر أردوغان بإغلاق جزئي للمضائق التركية البحرية “البوسفور والدردنيل” أمام السفن الحربية الروسية ورفض اعتراف موسكو باستقلال بجمهوريتي “دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين”.
ليس أمام الحكومة في أنقرة، خيار سوى الاعتماد على حل دبلوماسي للصراع، فهي تعتمد بشكل كبير على موسكو. إذ يبلغ حجم تجارة تركيا مع روسيا حوالي ستة أضعاف حجم التجارة مع أوكرانيا. وتحصل تركيا على أكثر من ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وتقوم شركة روساتوم الروسية المملوكة للدولة ببناء أول محطة للطاقة النووية التركية. وبالنسبة لشركات المقاولات التركية، تعد روسيا أهم سوق خارجي ويشكل السياح الروس أكبر مجموعة من الزوار في تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، تربط تركيا وروسيا علاقات وثيقة من خلال العديد من النزاعات الإقليمية، والدوريات العسكرية المشتركة في سوريا ومركز مراقبة وقف إطلاق النار المشترك في أعقاب الحرب الأرمنية الأذربيجانية حول ناغورني كاراباخ هما مثالان فقط.
ولا تزال أنقرة تحتفظ بذكريات قد تجعل من الصعب عليها التضحية بعلاقاتها مع موسكو. فبعد إسقاط مقاتلة روسية في شتاء عام 2015 اخترقت الأجواء التركية، علقت روسيا العلاقات الإقتصادية معها لشهور؛ استسلمت بعدها تركيا وتوجه أردوغان إلى سانت بطرسبرغ للاعتذار من بوتين.
في ضوء الأزمة الإقتصادية والمالية الصعبة وتراجع التأييد الشعبي لسياسات الحكومة حسب استطلاعات الرأي، لا تستطيع أنقرة تحمل مقاطعة اقتصادية أو سياحية أخرى.
أمل تركي بـ “نقطة تحول” في الصراع
في الفترة التي تسبق المحادثات في أنطاليا، تبدو القيادة الروسية متمسكة بمطالبها وماضية نحو تحقيقها بلا هوادة، كما كانت عليه خلال الصراع مع أنقرة قبل بضع سنوات. إذ أن مطالب موسكو تجاه كييف “قاسية”. أبرزها هو أن على أوكرانيا تغيير دستورها وسحب رغبتها في الإنضمام إلى حلف الناتو. وبدلاً من ذلك، يجب إعادة إرساء حياد البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تطالب موسكو كييف بالاعتراف بشبه جزيرة القرم على البحر الأسود كجزء من الإتحاد الروسي وقبول المنطقتين الإنفصاليتن، دونيتسك ولوهانسك، كدولتين مستقلتين.غير أن جميع هذه المطالب تقابل بالرفض من قبل كييف.
في ظل المواقف المستعصية، جاء تقييم وزير الخارجية التركي، في بداية الأسبوع مفاجئاً، فعند سؤاله عن توقعاته للاجتماع، أبدى مولود جاويش أوغلو، تفاؤلاً شديداً. ويأمل أن تكون محادثات وزيري خارجية موسكو وكييف “نقطة تحول” للحرب في أوكرانيا.
دانيال هاينريش / إ.م