لماذا تستهدف الصين كبرى شركاتها في التكنولوجيا والطاقة والعقارات؟ | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW
شنت الصين حملة واسعة النطاق ضد العديد من كبرى شركاتها في الصناعات الرئيسية، ما أثار مخاوف المستثمرين حيال مستقبل التنين الصيني والحفاظ على معجزته الاقتصادية.
فعلى وقع هذه الحملة، خسرت شركات التكنولوجيا الصينية لاسيما شركة “علي بابا” الصينية العملاقة في مجال التجارة الإلكترونية، مليارات الدولارات من قيمتها جراء قواعد جديدة وضعتها الحكومة الصينية لمكافحة الاحتكار وفرض قيود على استخدام البيانات.
ولم يتم استهداف شركات التكنولوجيا فقط بل شملت الحملة أيضا شركات صينية تعمل في قطاعات مثل سوق العملات الرقمية المزدهر إذ اعتبر البنك المركزي الصيني كل تعاملات العملات الرقمية غير قانونية.
كذلك استهدفت الحملة شركات تعمل في قطاع التعليم والطاقة، ما أثار تكهنات حيال الدوافع وراء مثل هذه التدابير غير المسبوقة في الصين.
وفي قطاع العقارات، تم اتخاذ تدابير من شأنها إضعاف قدرة كبرى شركات العقارات على الاقتراض المفرط وتجلى هذا خلال الشهر الماضي عندما أعلنت شركة إيفرغراند الصينية – ثاني أكبر مطور عقاري في البلاد – تعثرها في سداد أٌقساط ديونها التي بلغت 305 مليارات دولار بينما تعاني نقص السيولة.
كبح جماح الاقتصاد المتوحش
وأثار اتساع نطاق الحملة التي شنتها السلطات الصينية، الكثير من التساؤلات حيال توقيت البدء في إصلاحات كبيرة، وهل هذا الوقت يعد مناسبا خاصة في ظل خطة التعافي الاقتصادي من تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية؟
بيد أن السؤال الأكثر أهمية يتعلق بمدى قدرة الاقتصاد الصيني على تحمل تبعات مثل هذه التدابير القاسية؟
وفي ذلك، قال لويس كويغس – رئيس قسم آسيا في شركة أكسفورد إيكونوميكس- في مقابلة مع وكالة بلومبرغ للأنباء “إن اللافت للاهتمام هو مدى ضآلة اهتمام صانعي القرار السياسي في الصين بنمو الاقتصاد”.
ويعزو البعض السبب وراء مثل هذه التدابير إلى رغبة الرئيس الصيني شي جين بينغ في تعزيز قبضته على السلطة وأيضا المخاوف من أن يمثل القطاع الخاص في الصين تهديدا لسلطة الحزب الشيوعي الحاكم في البلاد.
وفي مقابلة مع DW، قال ستيف تسانغ – رئيس المعهد الصيني في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية (سواس) في لندن – إنه على رغم من أن بعض الشركات لم تكن “تسير على خطى الحزب الشيوعي”، إلا أن هناك حاجة إلى إيجاد عملية تنظيمية وهو الأمر الذي طال انتظاره.
وأوضح ذلك بقوله: “كان قطاع التكنولوجيا في الصين يشبه في عمله إلى حد ما التوحش الغربي، بينما كان سوق العقارات خارج نطاق السيطرة لسنوات عديدة”.
الجدير بالذكر أنه كان يُنظر إلى قطاع العقارات باعتباره الأكثر أمانا للاستثمار في الصين، بيد أن هذه الطفرة رفعت أسعار المنازل والعقارات في الصين ما أثقل كاهل عشرات الملايين من الصينيين.
ووفقا لبيانات معهد روشي المالي في بكين، فقد ارتفعت أسعار الشقق في العاصمة الصينية 55 ضعف متوسط الدخل.
وفي المقابل، تعهد الرئيس الصيني بتضييق فجوة الثروة في البلاد إذ وعد في خطاب ألقاه في أغسطس / آب بتعزيز مفهوم مشترك للرخاء وكبح جماح الدخول الكبيرة.
خطر تباطوء الاقتصاد الصيني
وإزاء ذلك، فقد حذرت مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية الأمريكية من أن الصين تخاطر بإبطاء نمو اقتصادها إذا مضت قدما في إضعاف القطاع الخاص.
وفي تقرير نُشر في مطلع أكتوبر / تشرين الأول، دعت المؤسسة الحكومة الصينية إلى بذل المزيد من الجهد لتحفيز التنافسية في الأسواق الصينية وأيضا السماح للقطاع الخاص بأن يلعب دورا أكبر في الاقتصاد.
بيد أن الحملات التي أطلقتها الحكومة مؤخرا أثارت الشكوك حيال رغبة الحكومة الصينية في تعزيز سيطرة الدولة بشكل أقوى في السنوات المقبلة.
وأشار التقرير إلى أن الخبراء الذين كانوا متفائلين حيال وعود الحكومة الصينية بتعزيز الانفتاح الاقتصادي، شعروا حاليا بصدمة من “عودة ملكية الدولة والرغبة غير القانونية في تشكيل هيكل السوق”.
وفيما يتعلق بنمو الاقتصاد الصيني، قدرت الحكومة تحقيق نمو بنسبة 6٪ على الأقل خلال العام الجاري بعد نمو بلغ 2.3٪ فقط خلال عام 2020 جراء وباء كورونا.
بيد أن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة ألقت بظلالها على خطط الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة كورونا.
أزمة إيفرغراند
ولا يمكن الحديث عن الحملة الصينية ضد كبرى الشركات دون التطرق إلى أزمة شركة إيفرغراند الصينية – ثاني أكبر مطور عقاري في البلاد- خاصة وأن السلطات الصينية لم تعط حتى الآن إشارات واضحة بأنها سوف تساعدها في تحسين وضعها المالي خاصة بعد أن باعت بشكل مسبق أكثر من 1.4 مليون من مساكن لم يتم الانتهاء من تشييدها.
وفي ذلك، قال ستيف تسانغ إن “الحكومة الصينية ليست مهتمة بقدرة إيفرغراند على النجاة من هذا المأزق الاقتصادي أم لا، لكن لديها في الوقت نفسه مصلحة قوية في عدم انهيار سوق العقارات، لذا فالحكومة الصينية سوف تتدخل إذا شعرت بأن سوق العقارات في خطر الانهيار.”
ورغم تفاؤله حيال تدخل الحكومة الصينية إذ دعت الحاجة إلى ذلك، إلا أن تسانغ أعرب عن قلقه إزاء افتقار الحزب الشيوعي لأي نقاش حقيقي حيال عملية صنع القرار السياسي.
نيك مارتن / م ع